السيدة خديجة رضي الله عنها
كانت خديجة بنت خويلد امرأة من أحسن نساء قريش, لبيبة عاقلة حازمة, وكان لها مال تتاجر به, فترسل الرجال بمالها إلى اليمن والشام, وتعطيهم أجرهم مقابل عملهم لها, وبهذه الطريقة كثر مالها, وعاشت عيشة كريمة, وكانت قد تزوجت من رجل يقال له: أبو هالة, فلما مات أبو هالة خطبها كثير من وجهاء مكة, ورغبوا في الزواج منها, لكنها رفضت ذلك.
وكانت خديجة تسمع أن (محمداً) شاب صادق أمين, يمتاز بين الرجال بأخلاقه الكريمة وهمته العالية, فأرادت أن تستوثق من ذلك, فاتفقت معه أن يسير بتجارتها إلى الشام, وتعطيه أكثر مما كانت تعطي الآخرين.
واستعد محمد للسفر والتجارة بمال خديجة, فلما حان موعد انطلاق القافلة سار ومعه (ميسرة) غلام خديجة, وكانت خديجة قد طلبت من (ميسرة) أن يرقب محمداً وأحواله, ليخبرها عنه بعد الرجوع من السفر.
مضت القافلة حتى وصلت الشام, وأخذ التجار يعرضون ما معهم من البضائع, ولما رجعوا إلى مكة كانت أموال خديجة قد ربحت أكثر مما كانت تربح في كل مرة, وأخذ ميسرة يحدث خديجة عما رأى من محمد.
حدثها عن صدقه وأمانته, وأنه لا يغش ولا يخادع, بينما كان التجار الآخرون يكذبون ويغشون ويخادعون ليبيعوا ويربحوا, وحدثها أن محمداً كان كلما سار أو مشى في الشمس ظللته غمامة تسير معه فلا تفارقه, وتقيه حر الشمس. وكان مثالاً في العفة والشهامة والخلق الكريم.
سُرَّت خديجة بما بلغها عن محمد, ورغبت أن تكون زوجة له, فأخبرت إحدى صديقاتها برغبتها, وقامت تلك الصديقة بعرض الزواج على محمد, لكنه اعتذر بسبب ضيق ذات اليد, فقالت له: فإذا دُعيت إلى المال والجمال والشرف؟
قال: من؟
قالت: خديجة.
قال: وكيف لي بذلك؟
قالت: أنا أكلمها لك.
ثم رجعت إلى خديجة فأخبرتها بما جرى, وبعد ذلك أخبر محمد أعمامه, وجاءوا فخطبوها له من عمها عمرو بن خويلد, وتَمَّ الزواج.
كانت خديجة أول امرأة تزوجها محمد صلى الله عليه وسلم, وكان زواجه منها قبل بعثته بخمسة عشر عاماً, وعندما أكرمه الله تعالى بالنبوة كانت خديجة أول من آمن به, وعاشت معه إلى السنة العاشرة من البعثة, فكانت تواسيه وتخفف عنه ما يلقاه من أذى المشركين واستهزائهم, وبذلت مالها في سبيل الله, وفي مرضاة رسول الله r, ولما توفيت حزن رسول الله عليها حزناً شديداً, وكان يفضلها على سائر نسائه, ويقول:
آمنت بي إذ كفر بي الناس, وصدقتني إذ كذبني الناس, وواستني بمالها إذ حرمني الناس, ورُزقت منها الولد.
وقد ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءه وبناته كلهم إلا إبراهيمَ, ولدت له: القاسم وعبد الله (الطيب الطاهر), وفاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم.
ومن وفائه لها صلى الله عليه وسلم:
- لم يتزوج امرأة غيرها حتى ماتت.
- كان يذكرها بخير ويثني عليها, ويترحم عليها.
- كان يصل أرحامها, ويكرم صديقاتها اللاتي كن يزرنها.
وقد نزل عليه جبريل يوماً وأمره أن يبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب (لؤلؤ مجوف) لا صخب فيه ولا نصب.
رحم الله السيدة الطاهرة المطهرة خديجة أم المؤمنين, ورضي عنها وأرضاها. آمين.
منقول