جانب من أروقة مكتبة الإسكندرية
"مخطوطة فوينت"، هى المخطوطة "اللغز"، التى شهدت مكتبة الإسكندرية أخيرًا محاضرة حولها، ألقاها الباحث رامى الجمل، رئيس قسم الأنشطة بمركز المخطوطات التابع للمكتبة. يوضح رامى الجمل أن المخطوطات هى ما يربط ماضى مكتبة الإسكندرية بحاضرها، وتكمن أهمية التعرف على مثل هذه المخطوطة فى الجانب التخصصى بالنسبة إلى الباحثين فى مجال المخطوطات والعلوم اللغوية، بالإضافة إلى أهمية البحث فى القرون الوسطى وتراثها، حيث تزامنت مع العصر الذهبى للحضارة الإسلامية.
حول أسباب شهرة "مخطوطة فوينتش"، يشير رامى الجمل إلى أنها تتضمن الرسوم والأشكال المتعددة، والتى تمثل أعشابا وأوعية وأفلاكا غريبة، تتميز كلها بالغرابة الشديدة. ومن أسباب شهرة المخطوطة أيضًا، تلك الكتابة الغريبة التى كتبت بها، والتى لم يستطع أحد فك شفرتها، أو فهمها بشكل يقيني.
وحول الوصف المادى للمخطوطة، يقول رامى الجمل: "تتكون المخطوطة من 116 صفحة، مرقمة بخط ينتمى إلى القرن السادس عشر، عدد منها مطوى بصورة تجعل مجموع صفحاتها 246، تحتوى 211 منها على رسومات، وتوجد المخطوطة حاليا فى إحدى مكتبات جامعة يال الأمريكية، ويعتقد أن الأسطر القليلة التى تحتوى عليها آخر صفحات المخطوطة، تمثل مفتاح قراءة المخطوط".
وقد سميت "مخطوطة فوينتش"، إشارة إلى ويلفريد فوينتش، وهو تاجر كتب قديمة ونادرة أمريكي، اشترى المخطوطة ضمن مجموعة من الكتب القديمة، من مقتنيات إحدى المكتبات الإيطالية، فى عام 1912، وعثر ـ حسب زعمه ـ على خطاب ملصق بالمخطوطة، يشير إلى احتمال أن يكون المؤلف هو العالم "روجر بيكون" "1214–1294".
وبالرغم من كثرة محاولات تأريخ المخطوطة - يقول رامى الجمل - إلا أن تاريخ نسخها لا يزال غامضا. ومن التحليلات المبسطة لأحد الأساليب التى اتبعت لمحاولة الوصول إلى تاريخ النسخ، محاولة عالم النبات هيو أونيل، فى عام 1944، الذى ادعى أنه تعرف على إحدى النباتات الممثلة فى المخطوطة، وأنها نوع من أنواع عباد الشمس، الذى لم يكن معروفا فى أوروبا، حتى رحلة كريستوفر كولومبس الثانية، فى أواخر القرن الخامس عشر، حين نجح فى جلب بذور بعض نباتات العالم الجديد إلى أوروبا.
وعن المحتوى الفكرى للمخطوطة، يقول رامى الجمل: "إن اللغة الغريبة التى كتبت بها المخطوطة، لا تسمح لنا بفهم محتواها، فليس لدينا إلا الرسومات التوضيحية، التى نستنتج منها أن محتوى المخطوطة ينقسم إلى أجزاء تبحث فى النباتات والأعشاب، وعلمى الفلك والأبراج، والبيولوجيا، والصيدلة، وعلم الدواء السحرى المعروف بالسيمياء. أما الجزء الأخير، فهو لا يحتوى على أى رسوم، وهو مكتوب فى صورة نقاط منفصلة أو Bullets، يرجح البعض أنه يمثل وصفة دوائية سحرية ما".
يشير رامى الجمل أيضا إلى التاريخ المعروف للمخطوطة، وانتقالها من حوزة جيوج باريش، المتخصص فى علم السيمياء، إلى صديقه العالم يوهانس ماركوس، ثم إلى أثاناسيوس كيرتشر، المتخصص فى الدراسات المصرية، والأستاذ بكلية كوليجيو رومانو الإيطالية. وقد ظهر المخطوط مرة أخرى عام 1870، فى حيازة بتروس بكس عميد الكلية. وفى عام 1912، قام فوينتش بشراء المخطوطة.
ويتعرض الجمل إلى قضية هوية مؤلف الكتاب، نافيًا احتمال أن يكون روجر بيكون، حيث عرف بيكون بأفكاره المتطورة والتقدمية، وأسلوبه العلمى فى البحث، ورفضه لكل ما هو غير قابل للإثبات، مما يجعله مرشحًا غير مناسب، لكتابة كتاب يحتوى رسومات سحرية، تتعلق بعلم الأبراج، وغيرها من مجالات الدراسة الغامضة، المنتشرة فى القرون الوسطى. ومن الكتاب المحتملين أيضا جون دي، وكان مستشارًا للملكة ماري، وبعدها للملكة إليزابيث الأولى، فى إنجلترا، وكان معروفًا عنه ولعه الشديد بروجر بيكون، وضعفه أمام الدراسات السحرية الغامضة.
ويشرح رامى الجمل أولى محاولات فك شفرة المخطوطة، والتى قام بها أستاذ الفلسفة الأمريكى ويليام رومين نيوبولد، الذى انطلق من أساس تأليف بيكون للكتاب، فتبع أنظمة معقدة، وافترض افتراضات أكثر تعقيدا " منها أن يكون بيكون قد تمكن من اختراع جهازى التليسكوب والميكروسكوب " للتوصل إلى شفرة شديدة الدقة، مبنية على أنظمة الفلسفة اليهودية الصوفية المعروفة بالقبالة.
وبعد فترة قصيرة من ظهور تفسير نيوبولد " الذى أدى إلى رفع قيمة المخطوطة إلى 160.000 دولار أمريكى "، قام الأستاذ الجامعى الأمريكى جون مانلى بتقديم دحض كامل لنظرية نيوبولد، نشره فى صورة كتاب بعد عام من وفاة نيوبولد، الذى عانت سمعته بسبب الفضيحة، وأصبح أضحوكة فى الأوساط الأكاديمية. وعزى الجمل إلى ذلك عدم تقدم الكثير من كبار الأكاديميين للعمل على تفسير شفرة المخطوطة، حيث يشعرون بالخوف من أن يقابلوا مصير نيوبولد ذاته!